تتكون المادة الثانية من جزئين أساسيين أولهما يحدد أن الإسلام دين الدولة، وكان أول ظهور لهذا النص في المادة ١٤٩ من دستور ١٩٢٣، وظلت هذه الصياغة تقريبا قاسما مشتركا بين جميع الدساتير او مشاريع الدساتير المصرية باستثناء دستور الوحدة مع سوريا عام ١٩٥٨ الذي لم ينص على دين الدولة.
"الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"
لطالما أثار هذا النص الكثير من الجدل الاجتماعي والقانوني، وأثير التساؤل حول إمكانية أن يؤثر سلبا على القضاء المصري من حيث التزامه بمرجعية النظام القانوني المصري.
تتكون المادة الثانية من جزئين أساسيين أولهما يحدد أن الإسلام دين الدولة، وكان أول ظهور لهذا النص في المادة ١٤٩ من دستور ١٩٢٣، وظلت هذه الصياغة تقريبا قاسما مشتركا بين جميع الدساتير او مشاريع الدساتير المصرية باستثناء دستور الوحدة مع سوريا عام ١٩٥٨ الذي لم ينص على دين الدولة.
اما الجزء الثاني فينص على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" وهذا الجزء هو مناط الخلاف الشديد بين الناس بشكل عام وفقهاء القانون بشكل خاص.
وقد تمت إضافة هذا الجزء إلى نص المادة ١٤٩ من دستور ١٩٢٣ سالف البيان عند وضع دستور ١٩٧١ الذي نص على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع" ثم في سنة ١٩٨٠ قام الرئيس السادات بتعديل بعض مواد دستور ١٩٧١ ومنها المادة ٧٧ التي ألغت بتعديلها تقييد انتخاب رئيس الجمهورية بمدتين فقط وجعلته مفتوحا غير محدد بأي زمن، ومنها أيضا المادة ٢ موضوع البحث والتي أصبح نصها بعد تعديل دستور ٧١ والاستفتاء عليه في سنة ١٩٨٠ " الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
وبذلك فقد أحدثت المادة ٢ من دستور ٧١ تحولا فارقا في أوساط المصريين ، فقد اعتبرها البعض مصدر فخر ثقة منهم وإيمانا بعدل وإنصاف مبادئ شريعة دينهم، وإعتبرت مصدر رعب للبعض الآخر المعروف باسم "الاقليات الدينية" خوفا من أن يتم استغلال هذا النص بشكل ما للتمييز ضدهم وقمع حرياتهم.
والحقيقة أن صياغة المادة الثانية بصورتها تلك تسيس القانون وتجعله أداة يمكن أن تستغل من قبل السلطة وليس لمصلحة المجتمعية العامة.
فجاء حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم ١١٩ لسنة ٢١ قضائية عام ٢٠٠٤ في محاولة منه للرد على التساؤلات والمخاوف المترتبة على صياغة نص المادة ٢، موضحا انه "لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها"، وطبقا للحكم فإن المادة الثانية من الدستور ينصرف نصها إلى أحكام الشريعة الإسلامية القطعية ثبوتا ودلالة فحسب وبالتالي يجب أن ننتبه لهذه الأمر جيدا، فهذه المادة لا تتعلق بالأحكام الظنية أو المختلف عليها وإنما تتناول ما هو قطعي في ثبوته ودلالته وهذه الأحكام قليلة جدا مقارنة بتلك الأحكام ظنية الثبوت والدلالة والتي هي محل اختلاف بين المسلمين على جميع مذاهبهم وطوائفهم.
ولكن بالرغم من هذا التوضيح المطمئن والمنطقي والذي نعتقد أنه إذا كان في قرارة كل قاضي لحكم بإنصاف دون أي لبس او تمييز إلا أن صياغة هذه المادة تظل غير مطمئنة على الإطلاق، حيث أن أي نص قانوني يستمد قوته من أنه قاعدة عامة ، مجردة وتتطبق على الجميع، أي يجب أن تكون قاعدة محددة وواضحة في شروطها وضوابطها.
فإذا نظرنا إلى الشق الأول من المادة "الإسلام دين الدولة" فسوف نجد أنه ليس إلا استعارة مكنية لا أهمية قانونية حقيقية منه. فقط لأن أغلبية المواطنين في مصر مسلمين، ولكن في الواقع "الدولة" شخص معنوي لا دين له! كما أن الدولة المصرية وطبقا لدستورها تعد دولة مدنية.
لذلك فهذا الشق لايمثل أي خطر على سلامة النظام القضائي وإنصافه حيث أنه ليس إلا وصف لواقع مجتمعى لا صدى قانوني له، ولذلك ايضا ظل عاملا مشتركا في اغلب الدساتير ومشاريع الدساتير المصرية دون أن يشكل قلق او اعتراض يذكر .
ولكن الشق الثاني من المادة وهو الأكثر خطورة والذي تناولته المحكمة الدستورية العليا في الحكم سالف الذكر، هو الذي يدور حوله الكثير من الجدل والقلاقل.
والدليل على ذلك أنه على الرغم من أن الدستور هو أبو القوانين كافة وهو الذي يكفل ويضمن حقوق الجميع ويحميها، وعلى الرغم من تفسير وشرح المحكمة الدستورية لنص المادة الثانية سالف البيان إلا أنه قد حدث بالفعل أن تم استغلال هذا النص سياسيا كما تم إصدار العديد من الأحكام القضائية التي تتضارب أحيانا مع بعض المبادئ التي نص عليها الدستور ذاته، كالمادة ٤٦ التي تقرر أن الدولة تكفل حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية.
والحقيقة أن صياغة المادة الثانية بصورتها تلك تسيس القانون وتجعله أداة يمكن أن تستغل من قبل السلطة وليس لمصلحة المجتمعية العامة.
فكما أشرنا سلفا فقد ولد نص المادة الثانية وأرسى وضعا لم تعرفه الدساتير المصرية قط على مدى تاريخها عندما قام الرئيس الراحل السادات بوضع اساس هذه المادة في دستورعام ١٩٧١ لتكون "مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع" ثم قام بتعديلها مرة أخري لتصبح "المصدر الرئيسي للتشريع" خلال الاستفتاء على تعديل الدستور الذي اجراه يوم ٢٢ مايو ١٩٨٠ بالأساس لتمرير تعديله للمادة ٧٧ من الدستور والتي كانت تقيد مدة رئاسة الجمهورية بفترتين، ونرجح أن السادات أراد بوضع التعديلين في استفتاء واحد أن يخضع الأغلبية المسلمة لابتزاز عاطفي للتصويت بنعم لإطلاق فترات رئاسة الجمهورية فأخذ بسيف الحياء ما لم يكن يستطع أخذه بالديمقراطية، وبذلك يكون نظام السادات أول من أرسى استغلال العواطف الدينية لتحقيق أغراض سياسية.
وعلى الجانب الآخر فقد تم اصدار عدداً من الأحكام القضائية الظالمة لبعض المواطنين والمخلة بحقوقهم وحرياتهم، تأثرا بتعديل نص المادة ٢ من دستور ٧١ الحاصل في سنة ١٩٨٠ وعلى الرغم من مخالفة تلك الأحكام لبعض المواد الأخرى في ذات الدستور وأيضا للمواثيق الدولية التي تلتزم بها مصر، وسنقوم فيما يلي برصد بعض من هذه الأحكام:
محكمة الاسرة:
- من المعروف أن قانون المواريث يستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية (آيات سورة النساء في القرآن الكريم)، كما تستند أيضا إلى أحكام الشريعة قوانين الأحوال الشخصية ، ذلك أنه بنص القانون فإن نظر القضايا المتعلقة بهذه المسائل يحتكم أساسا إلى القواعد التي نصت عليها ديانات أصحابها. فمثلا الشريعة الإسلامية لا تطبق على غير المسلمين الذين يخضعون في أحوالهم الشخصية إلى شرائع دياناتهم طالما اتحدت ملاتهم وطوائفهم الدينية أما في حالة الاختلاف فتطبق عليهم أحكام الشريعة الاسلامية المتعلقة بالأمر.
من المعروف أن قانون المواريث يستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية (آيات سورة النساء في القرآن الكريم)، كما تستند أيضا إلى أحكام الشريعة قوانين الأحوال الشخصية ، ذلك أنه بنص القانون فإن نظر القضايا المتعلقة بهذه المسائل يحتكم أساسا إلى القواعد التي نصت عليها ديانات أصحابها.
وبالرغم من ذلك نجد بعض الأحكام غير المنطقية المتأثرة بنص المادة الثانية بشقيها، فعلى سبيل المثال أصدرت محكمة الاسرة حكما في القضية رقم ٤٢٦ سنة ١٩٥٨- محكمة الاسكندرية الابتدائية، بإلغاء ولاية أب مسيحي على ولديه المسيحيين عندما أسلمت الأم لأنه حسب قول المحكمة يتعين أن يتبع الأولاد الدين "الأصلح"، والاسلام هو أصلح الأديان. وبالنظر إلى هذا الحكم لا نجد أي استنادا او مبرر قانوني واضح بل على العكس نجد المحكمة تقوم بتحديد الدين الأصلح وليس تطبيق النص القانوني الواجب التطبيق على خصومة قضائية تنظرها .
كما أصدرت محكمة استئناف القاهرة حكما في القضية رقم ٢٧٨ لسنة ١١١قضائية القاهرة، الصادر بتاريخ ١٤/٦/ ١٩٩٥ بالتفريق بين المفكر الاسلامي الأستاذ الدكتور نصر حامد ابو زيد وزوجته الأستاذة الدكتورة ابتهال يونس لمجرد أن قدم رؤية مخالفة لأفكار شيوخ آخرين في تفسير النص القرآني خلال عمله في مجال البحوث والدراسات الإسلامية، فتم تكفيره واعتباره مرتدا وحكم بتفريقه عن زوجته التي أصابها شعورا مريرا بالامتهان وبانتهاك حقوقها وحرمة حياتها الخاصة التي يفترض أنها محمية دستوريا.
- مجلس الدولة:
- الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوي رقم ١٨٣٥٤ لسنة ٥٨ قضائية الصادر بتاريخ ٢٩/١/٢٠٠٨، بشأن ما يسمى بـ"العائدين للمسيحية" والذي جاء به: " لا خلاف أن الأديان السماوية لم تنزل على الناس جمله واحدة بحيث يختار كل فرد ما يعتقد أو يعدل عنه إلى ما يخالفه متى شاء دون ضابط وقد نزلت الأديان بترتيب زمني له دلالته البالغة فى منحنى التغيير الذي يقره الله سبحانه وتعالى حيث أنزلت اليهودية ثم تبعتها المسيحية واختتمت بالإسلام، ومن يعتقد باليهودية مدعو إلى المسيحية ومن يعتنق المسيحية مدعو إلى الإسلام (خاتم الأديان) والعكس فى جميع الحالات غير صحيح بمراد الله وترتيب نزول ديانته السماوية وبما يتفق مع النظام العام أو الآداب العامة فى مصر".
في هذا الحكم خرق صريح لنص المادة ١ بشأن المواطنة والمادة ٤٦ بشأن حرية العقيدة بل وذات المادة ٢ من الدستور بشأن مبادئ الشريعة الإسلامية وفي القلب منها تكريم الانسان وكفالة حرياته وألا إكراه في الدين "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (سورة البقرة) ، فالقضاه في هذه الوقعة قاموا بالحجر على حرية مواطنيين مصريين في الاعتقاد ومحاولة إجبارهم على اعتناق الاسلام وجعله سجن لمن اعتنقه بما يحوله معتقد يعتنفه الإنسان بإرادته إلى عقوبة يجب تنفيذها.
كما أن في ذلك تمييزا صارخا بين المواطنين لأنه إذا كان المواطن الماثل أمام المحكمة مسيحيا ويريد أن يغير دينه إلى الإسلام، لما كانت المحكمة قد أصدرت هذا الحكم بالمنطق الذي أفصحت عنه المحكمة في حيثيات حكمها، الأمر الذي يشير إلى أن مضمون النص القانوني يختلف على حسب كل حالة وبذلك يفقد القانون أهم مقوماته وهي أنه قاعدة عامة مجردة، وافتقاد القاعدة القانونية لهاتين السمتين العمومية والتجريد يجعلها لا قاعدة ولا قانونية.
- الحكم الصادر في ٢٥/٣/١٩٨٠، (القضية ٢٠١١،لسنة٣٣ قضائية) برفض دعوى أقامها شخص مسلم ضد لجنة الأحوال المدنية بمحافظة القاهرة والتي رفضت تغيير اسمه من "نبيل حسن صبري" إلى "نبيل جورج نقولا " وتغيير ديانته في بطاقته الشخصية من مسلم إلى مسيحي. واستندت المحكمة في حكمها هذا " إلى مبادئ الشريعة الإسلامية في هذا الصدد ، ومقتضى تلك المبادئ وبلا خلاف قبول دخول غير المسلم في دين الإسلام وإقراره علي ذلك والاعتداد به في المعاملات، كما أن مقتضي هذه المبادئ وبلا خلاف أيضا عدم جواز ارتداد المسلم عن دينه، لا إلى غير دين، ولا إلى دين آخر من أديان السماء، والمتفق عليه في هذه الشريعة أن المرتد لا يقر على ردته. "
تم اصدار عدداً من الأحكام القضائية الظالمة لبعض المواطنين والمخلة بحقوقهم وحرياتهم، تأثرا بتعديل نص المادة ٢ من دستور ٧١الحاصل في سنة ١٩٨٠وعلى الرغم من مخالفة تلك الأحكام لبعض المواد الأخرى في ذات الدستور وأيضا للمواثيق الدولية التي تلتزم بها مصر
والواضح في هذا الحكم أنه لا يستند إلى أي نص قانوني، بل هو تفسير ديني يختلف عليه فقهاء الدين أنفسهم ولكن لا محل له في مجال القانون وساحات القضاء .
- الحكم الصادرمن محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم ١٤١٢٤ لسنة ٦٢ قضائية بجلسة ١١/١١/٢٠٠٨، بشأن إصدار وثائق ثبوتية للبهائيين والذي جاء به:
"أن المحكمة تؤكد في هذا الصدد على أن قضائها الماثل لا يقوم على اعتراف بالفكر البهائي أو أنه سبيل لمن ينتمي إلى هذه الطائفة لإثباتها أمام خانة الديانة، وإنما يقتصر الأمر فقط على طائفة منهم استخرجت لهم مسبقاً شهادات ميلاد أو تحقيق شخصية مثبت فيها على سبيل الخطأ أمام خانة الديانة – بهائي – أو استخرجت تلك المستندات مدرجاً فيها أمام خانة الديانة كلمة (بدون) أو شرطه – لما يمثله هذا القضاء من إنصاف لهذه الفئة من المواطنين الذين يملكون مستندات رسمية يثبت فيها ذلك وصولاً إلى مخرج يحدد حقوقهم ويمكن غيرهم من أصحاب الديانات السماوية من قيام ثمة علاقات اجتماعية أو شخصية معهم بما يحفظ المجتمع من اندساسهم بين أصحاب الديانات السماوية والتي لا يمثل إثباتها لأتباعها ترفاً يجوز النزول عنه بإرادة صاحب الشأن، كما أن صياغة النصوص التشريعية المنظمة لا تتعارض مع وضع علامة (-) أمام من سبق التحرير لهم بمستنداتهم خالية لمن لا ينتمي إلى دين سماوي سواء أكان مصرياً أصلا أم متجنساً وتطرح المحكمة جانباً ما استندت إليه الإدارة متمثلاً في صدور رأي استشاري يتضمن إجبارهم على إثبات دين سماوي بحسبان أن ذلك يمثل ضرراً بليغاً بالدين المطلوب إثباته على غير الحقيقة".
في هذا الحكم أيضا خرق واضح للمادة رقم ١ والمادة رقم ٤٦ من الدستور، ففي هذا الحكم تمييز ديني واضح بين المواطنين وإزدراء لما يعتقده البعض منهم وينفي مبدأ حق المواطن في اتباع الدين الذي يريده.
نرى من خلال الأمثلة سالفة الذكر أنه وعلى الرغم من تفسيرالمحكمة الدستورية العليا في عام ٢٠٠٤ لمحتوى نص المادة الثانية من الدستور وأنها موجهة بالأساس للمشرع إلا أنه قد تم بالفعل انتهاك حقوق بعض المواطنين بأحكام قضائية صادرة بغير سند قانوني فقط وفق قناعة القاضي الذي يتولى القضية وبالتالي فلا يجب أن نُفاجأ فيما بعد أن لنفس القضية ستختلف معايير الحكم حسب قناعات واراء ومعتقادات القضاة بل وانتمائاتهم الدينية والفكرية والسياسية أيضا فلن يأمن المسلم إذا كان قاضيه غير مسلم ولن يأمن اليساري أو الليبرالي إذا كان قاضيه إخواني على سبيل المثال، فينهار مبدأ سيادة القانون وتتلاشى دولة القانون، فينتشر التعصب والتطرف ويعم الإرهاب وتنتصر القوة على الحق.