اللبنة الاساسية التي تقوم عليها فكرة الألتراس هي الانتماء الشديد للنادي/الوطن، هذا الانتماء تستشعره من اول لحظة تتحدث فيها مع اي فرد ينتمي للألتراس كفكرة وكتنظيم، فهذا الانتماء الشديد قد نجد تفسيره في حالة الاغتراب التي سادت ليس فقط مصر وانما الكثير من الدول العربية التي ظهرت فيها المجموعات
كان الحكم الذي اصدرته محكمة الجنايات في التاسع من مارس ضد المتهمين في تخطيط وتنفيذ مجزرة بورسعيد ضد مجموعة التراس أهلاوي في مباراة الاهلي والمصري التي اقيمت في الاول من فبراير من العام الماضي ٢٠١٢ وما تلاه من احدث عنف من جانب بعض المنتمين الى المجموعة، فرصة ذهبية للإعلام – وليس فقط الرياضي- للظهور علينا بوجهه القبيح في تشويه الوقائع والبحث عن مزيد من الاثارة التي تجتذب مزيدا من المشاهدين من اجل تحقيق مزيدا من الربح او خدمة السردية التي تحاول السلطة فرضها على المجتمع فيما يتعلق بواقع ودور مجموعات الألتراس في الشارع، ولم تكن بعض القوى الثورية بعيدة عن هذا الاتجاه ايضا.
ففي ظل حالة التخبط التي تعيشها مؤسسات الدولة (او شبه الدولة لأكون اكثر دقة)، بات اي تحرك من قبل اي مجموعات على المستوى المجتمعي تصوره الدولة وجوقتها الاعلامية على انه محاولة لكسر هيبة الدولة وضرب سيادة القانون في مقتل، وطبعا لم تسلم مجموعات التشجيع الرياضي (الألتراس) من هذه المحاولات، بل ان المجموعات مثلت الفرصة الذهبية للدولة والسلطة لهذا التشويه المتعمد، واتفقنا او اختلفنا مع ما يقوم به الألتراس خاصة المجموعات المنتمية للنادي الاهلي، فان سردية السلطة والاعلاميين - الذين قادوا ويقودوا حملات شيطنة المجموعات - تقوم على عدد من الاساطير، والتي ارى – من خلال متابعة المجموعات في مصر منذ فترة طويلة – انها تقدم قراءة مغلوطة لواقع الألتراس في مصر.
الألتراس أو الاولتراس "Ultras" هي كلمة لاتينية تعني في الانجليزية ما بعد الطبيعي، وتعني بالنسبة لأفراد المجموعات التشجيع الفائق للحد للنادي الذي ينتمون إليه، والإبداع المستمر داخل المدرج (بيت الألتراس) في التشجيع سواء في صورة هتافات أو أغاني أو دخلات في المباريات التي يخوضها الفريق ضد المنافسين، وتاريخ ظاهرة الألتراس غير محدد بدقة فتتحدث الادبيات المهتمة بالظاهرة عن انها بدأت في البرازيل في اواخر اربعينيات القرن العشرين، وانتقلت الفكرة لأوروبا، خاصة ايطاليا التي شهدت فيها الحركة تطورا وتأثيرا كبيرا في السبعينيات، ثم بعد ذلك انتقلت الى الدول الاوروبية الاخرى القريبة جغرافيا من ايطاليا، ومن أوروبا اتت الفكرة إلى دول الشمال الافريقي في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكان قدوم الفكرة إلى الشمال الافريقي البداية لوصول الفكرة إلى مصر، حيث نشأت مجموعات الألتراس في مصر في منتصف عام ٢٠٠٧.
الانتماء: صيرورة خلق وطن بديل
اللبنة الاساسية التي تقوم عليها فكرة الألتراس هي الانتماء الشديد للنادي/الوطن، هذا الانتماء تستشعره من اول لحظة تتحدث فيها مع اي فرد ينتمي للألتراس كفكرة وكتنظيم، فهذا الانتماء الشديد قد نجد تفسيره في حالة الاغتراب التي سادت ليس فقط مصر وانما الكثير من الدول العربية التي ظهرت فيها المجموعات، حالة اغتراب عن الدولة التي لم تكن باي حال من الاحوال ممثلة للمجتمع ومعبرة عن ارادته الجمعية، فكان لابد لهذا الشباب الصغير ان يخلق كيان او فكرة ينتمى لها، فنجد الشعار الاشهر لنادي الترجي التونس هو "ترجي يا دولة"، وبنظرة عابرة على هتافات واغاني مجموعات الألتراس المصرية تجد معاني الانتماء للنادي وتعظيمه والاعتزاز بأمجاده متكررة ويتم التأكيد عليها باستمرار، فأحد الأغاني التي يتغنى بها ألتراس أهلاوي تقول "اعظم نادي في الكون هفضل أحبه بجنون حبى ليك يا أهلى الموت هيوقفه"، وعلى الجانب الاخر تجد التراس وايتس نايتس أو الفرسان البيضّ يغنون في المدرج "غالي وأفديه بحياتي حياتي وعمره يهونوا يهونو لإسم واحد زمااالك"، أيضا يغنون "سألوني مين اختار لو في جنة او في نار زمالك اكيد حبي الوحيد من غير ما احتار".
جاءت الثورة كحدث فارق في تاريخ المجموعات لتغير هذا المفهوم للانتماء، او بمعنى أدق لتضيف إليه بعداً آخر متعلق بالثورة والحرية والكرامة الانتماء للوطن الأم، فقد ساد الشعور عقب سقوط النظام المباركي بأن بلدنا قد عادت الينا من جديد
جاءت الثورة كحدث فارق في تاريخ المجموعات لتغير هذا المفهوم للانتماء، او بمعنى أدق لتضيف إليه بعداً آخر متعلق بالثورة والحرية والكرامة الانتماء للوطن الأم، فقد ساد الشعور عقب سقوط النظام المباركي بأن بلدنا قد عادت الينا من جديد، واننا كمجموعات ألتراس سوف ندافع عن الحرية والكرامة، وقد اخرجت لنا المجموعات سواء المنتمية للنادي الاهلي (التراس أهلاوي والتراس ديفيلز) او للنادي الزمالك (الوايتس نايتس) أجمل ما غني للثورة من اغاني، فنجد الأهلاوية ينشدون "قولناها زمان للمستبد الحرية جاية لابد... يا حكومة بكرة هتعرفي بأدين الشعب هتنضفي" ، ويعزف الوايتس نايتس "غنى الحرية دي أجمل غنوة في الوجود... شمس الحرية اتولدت ولا يمكن تموت"، ويطرح التراس ديفيلز معنى جديد للانتماء للوطن الذي هو امتداد للإنتماء المجموعة للنادي "يا وطنية دا انا ارضي اغلى الاوطان، نفديها بروحي ودمي ولو طلبت اكتر كمان...
التمرد كمكون تأسيسي في الألتراس
الألتراس بطبيعة التكوين هو مجموعة شبابية - يتراوح متوسط أعمار افرادها ما بين ١٥-٢٠ عاما- عمادها الاساسي هو التمرد، التمرد على انماط التشجيع التقليدية، فالتشجيع بالنسبة لهم ليس مجرد حب النادي او متابعة مبارياته من أمام شاشة التلفاز، أو الارتباط بروابط المشجعين التي كانت سائدة قبل ظهورهم، وكانت مرتبطة بمجالس إدارات الأندية ولا تخرج عن حظيرة طاعة هذه الادارة او المساحة التي رسمتها لها، في المقابل فإن عقلية الألتراس او الـ Mentality تقوم على الاستقلال عن قيود مجالس إدارات الاندية، والابداع الصوتي والبصري في المدرج، والترحال وراء النادي في كل مباراة له حتى لو كانت خارج حدود الدولة، فضلا عن التشجيع المستمر طوال مدة المباراة سواء كان الفريق خاسراً أو فائزاً، فالأمر الاهم لعضو الألتراس هو التشجيع، والمباراة بالنسبة له ليست ما يجري على ارض الملعب وإنما مباراة في التشجيع لمؤازرة اللاعبين وحسهم على الاداء الجيد في الملعب، لذك تجدهم في بعض الاحيان يشجعون وهم يعطون ظهرهم للملعب.
أيضا التمرد على أي محاولات لفرض السيطرة عليهم خاصة من جانب السلطة، وعلاقتهم بالشرطة وافراد الامن ابرز مثال على هذا التمرد، فالشعار الابرز الذي تشترك فيه كل مجموعات الألتراس حول العالم هو "كل الشرطة اوغاد" “All Cops Are Bastards (A.C.A.B)” فهناك عداء غير طبيعي بين مجموعات الألتراس وعناصر الشرطة، والمجموعات في مصر ليست بعيدة عن هذا الاتجاه، فمنذ نشأة المجموعات في مصر في عام ٢٠٠٧ حاولت الشرطة بكل السبل التضييق على نشاط الألتراس داخل الاستاد وخارجه، فقبل الثورة كان افراد المجموعة يتعرضون لعمليات تفتيش مهينة اثناء دخولهم المدرج، ومنعهم من اصطحاب أدوات التي يعتمدون عليها في التشجيع مثل السنانير وجلاد الدخلات، حتى وصل الأمر الى منعهم من اصطحاب زجاجات المياه معهم الى المدرج، فبعد اشهر قليلة من ظهور المجموعات في مصر في شهر نوفمبر ٢٠٠٧ وقبل احدى مباريات الديربي بين الاهلي والزمالك، اصدرت مجموعة التراس أهلاوي بيانا على موقعها على الانترنت تشير فيه إلى قرارها بإلغاء الدخلة التي جهزوها للمباراة، بسبب محاولات الأمن معرفة فكرة الدخلة ومنع دخول المواد التي سيستخدموها في إعدادها إلى المدرج، بالإضافة إلى التدخل في فكرة الدخلة ذاتها، وهو ما أعتبرته المجموعة تدخلاً سافراً في شئونها الداخلية بما يتعارض مع المبادئ الحاكمة للألتراس.
الألتراس في قلب حلبة الصراع السياسي
هذا الإرث في العلاقة مع الامن مثّل أساساً قوياً للدور الذي لعبه أفراد مجموعات الألتراس في هزيمة قوات الأمن يوم الثامن والعشرين من يناير عام ٢٠١١، فبالرغم من إعلان مجموعات التراس أهلاوي والوايتس نايتس عن أنهم لن يشاركوا في الثورة بصفتهم الجمعية كألتراس، تأسيساً على فكرة أن مجموعات الألتراس نشأت من أجل الرياضة ومن أجل تشجيع الفرق الرياضية المنتمية لها هذه المجموعات، إلا أن الإعلان ترك مطلق الحرية للأفراد للمشاركة أو عدم المشاركة في الثورة كل حسب رؤيته وقناعاته الشخصية والفكرية والسياسية، ثم بعد ذلك سقوط نظام مبارك أطلق التراس أهلاوي والتراس وايتس نايتس عدد من الهتافات والاغاني التي تنادي بالحرية وسقوط النظام القمعي والاستهزاء بالشرطة، الأمر الذي زاد من درجة استنفار النظام الحاكم وادواته القمعية ودفعته إلى تكثيف محاولاته لكسر شوكة المجموعات في المدرج وفي الشارع، الأمر الذي ردت عليها المجموعات ليس هذه المرة بقرارات فردية طبقا لمزاج وقناعات افرادها بصفاتهم الشخصية، وانما بصفتها الجمعية كألتراس خاصة بعد سقوط شهداء من المجموعات واعتقال عدد من أفرادها، وبعد تصعيد درجة هذا العنف من جانب النظام الى اقصاها في بورسعيد، ليسقط ٧٢ شهيد من مجموعات الألتراس المنتمية للنادي الاهلي، بالإضافة إلى مئات المصابين.
كانت حادثة بورسعيد بمثابة التدشين الرسمي لنزول مجموعاتي التراس أهلاوي الرئيسيتين (التراس أهلاوي والتراس ديفيلز) إلى الشارع في محاولة للقصاص لدم الشهداء، وقد اتبعت المجموعتين وسائل للضغط على النظام من اجل تحقيق القصاص وتقديم الجناة الذين دبروا ونفذوا الجريمة للعدالة، بدأت بالمسيرات والاعتصام امام مجلس الشعب، وسلاسل بشرية لتعريف الجمهور بأبعاد الجريمة، فضلا عن استخدام العنف ضد الشرطة ومؤسسات الدولة المختلفة، مثل محاصرة مبنى وزارة الداخلية ومبني البورصة والبنك المركزي وقطع خطوط المترو، بالإضافة إلى اقتحام مبنى اتحاد الكرة أكثر من مرة، وكل هذا تم في سياق التأكيد المستمر من جانب المجموعتين ان نزولهم الشارع غير مرتبط بالصراع السياسي الدائر في الشارع بين القوى الثورية والنظام الجديد/القديم، وإنما من أجل تحقيق غاية أساسية هى القصاص للشهداء.
وبالطبع كان نزول المجموعات فرصة للنظام وعدد من المؤسسات والشخصيات الاعلامية لشيطنة المجموعات وتقديمها للراي العام باعتبارهم مجموعة من المراهقين والبلطجية التي تسعى الى الخروج عن القانون وكسر هيبة الدولة، تلك الصورة التي كان يروجها عدد من الوجوه الاعلامية قبل الثورة، وقد اعتمدت هذ الحملة التي وصلت الى ذروتها بعد صدور الحكم الثاني ضد المتهمين يوم التاسع من مارس على عدد من الاساطير التي لا تقوم على قراءة صحيحة لواقع مجموعات الألتراس في مصر.
مجموعة من البلطجية "الهوليجانز"
أحد الاستراتيجيات التي إتبعها الاعلام والنظام السياسي هي محاولة "شيطنة الألتراس" وذلك من خلال ربط افكارهم بالعنف وببعض روافد حركة الألتراس العالمية خاصة مجموعات الهوليجانز Hooligans، وهم مجموعة من مشجعي الكرة في إنجلترا التي تعتمد على العنف كأسلوب اساسي في تشجيعها داخل المدرج، فضلا عن استخدام العنف المفرط الذي قد يصل الى حد القتل ضد المجموعات المنافسة، والمجموعات في مصر لم تكن بعيدا عن بعد اشهر قليلة من ظهور المجموعات في مصر في شهر نوفمبر ٢٠٠٧ وقبل احدى مباريات الديربي بين الاهلي والزمالك، اصدرت مجموعة التراس أهلاوي بيانا على موقعها على الانترنت تشير فيه إلى قرارها بإلغاء الدخلة التي جهزوها للمباراة، بسبب محاولات الأمن معرفة فكرة الدخلة ومنع دخول المواد التي سيستخدموها في إعدادها إلى المدرج، بالإضافة إلى التدخل في فكرة الدخلة ذاتها، وهو ما أعتبرته المجموعة تدخلاً سافراً في شئونها الداخلية بما يتعارض مع المبادئ الحاكمة للألتراس. استخدام العنف، خصوصا في الفترة التي تزامنت مع ظهور المجموعات، من خلال الاشتباكات التي كانت تحدث على سبيل المثال بين المجموعات المنتمية للنادي الاهلي ونادي الزمالك خارج الاستاد بعد انتهاء مباريات الديربي بين الفرقين، وقيام المجموعات بنصب الكمائن لبعضها البعض، ومحاولة سرقة ادوات التشجيع الخاصة بالمجموعة المنافسة ، الا ان عددا من افراد المجموعات في مقابلاتي الميدانية معهم اكدوا ان العنف ابدا لم يكن ليصل الى درجة القتل، كما انهم اعترفوا بخطأ هذه الممارسات وانها بعيدة عن مبادئ الألتراس التي ترفض العنف، وعدم البدء في الهجوم الا اذا تعرضت المجموعة لعنف من المجموعة (المجموعات) المنافسة، وأن المنافسة بين المجموعات لا تكون من خلال العنف المتبادل، وانما تكون عن طريق تشجيع الفريق داخل المدرج، وفي سياق هذه الرؤية اجتمعت مجموعاتي التراس أهلاوي والتراس ديفيلز ومجموعة التراس وايتس نايتس في الحادي عشر من مارس عام ٢٠١٢ وبعد أكثر من شهر على وقوع مجزرة بورسعيد، لتعلن تضامنها مع بعضها البعض ضد قمع النظام الذي أودي بحياة افراد منتمين للألتراس، وفي هذا الاجتماع أكد قادة المجموعات أن الخلافات التي كانت تنشب بينهم باستمرار كانت المدخل الأساسي والحجة التي يستخدمها الأمن في قمع المجموعات وإظهارها للرأي العام على أنهم مجموعة من البلطجية، الأمر الذي يستوجب التعامل معهم بحسم وبقوة، ومن ثم فإن اللحظة الآنية بعد المجزرة تستدعي نبذ هذه الخلافات، وتوحيد الصفوف لمواجهة قمع قوات الأمن، بالإضافة إلي تأكيد المجموعات على ان المنافسة ستظل قائمة بينهم، ولكن منافسة داخل المدرج، منافسة في ابتداع وسائل مبتكرة للتشجيع ومساندة فرقهم.
تنظيم حديدي
في سياق الحملة التي شنتها بعض الاقلام وبعض وسائل الاعلام ضد المجموعات خاصة بعد حرق مقر اتحاد الكرة ونادي الشرطة بالجزيرة في يوم التاسع من مارس، كان الخط الجامع بين هذه الاقلام والأبواق الاعلامية هي الترويج لفكرة أن الألتراس هو مجموعة ذات تنظيم هيراركي حديدي، خط السلطة فيه يتجه من أعلى إلى أسفل، بل إن بعضهم غالي في فكرة التنظيم، وعقد المقارنات بينهم وبين تنظيم الاخوان المسلمين، إلا أن هذا الزعم ينطوي على كثير من المغالطات، التي تنم عن جهل هؤلاء بطبيعة وشكل التنظيم داخل مجموعات الألتراس المصرية، فضلا عن ماهية الظاهرة في حد ذاتها.
ولتناول فكرة التنظيم داخل مجموعات الألتراس سوف ابدأ بتشبيه ذكره لي احد المسئولين في مجموعة الوايتس نايتس، حيث شبه المجموعة بدائرة كبيرة لها مركز، وهذا الدائرة الكبيرة داخلها عدد من الدوائر، التي يحدد قربها او بعدها عن المركز مدى تتداخلها في عملية صنع القرار داخل المجموعة، وتحديد المسئولين عن صنع القرار أو القرب من مركز الدائرة يتحدد باعتبارات كثيرة منها الخبرة في إدارة شئون المجموعة وكل ما يتعلق بها سواء في نواحي التشجيع وإعدادات الدخلات أو الشئون المالية، الاقدمية وطول الفترة الزمنية داخل المجموعة ومن اجلها اعتبار اخر، هناك ايضا مدى ما يتمتع به العضو من قدرة على الابداع والابتكار سواء في الهتافات أو الاغاني، الا أن أهم هذه الاعتبارات مدي قدرة العضو على تخصيص وقت أكبر للمجموعة وإدارتها وانشطتها، فكلما توافرت هذه الاعتبارات، كانت فرص العضو أكبر في القرب من مركز الدائرة ومن ثم المشاركة في عملية صنع القرار.
وفكرة الدائرة هنا مهمة لأنها توضح انه بالرغم من أن هناك أفراداً أكثر تأثيراً من غيرهم في عملية صنع القرار، إلا أن الجميع لديه الفرصة ليكون أكثر قربا من مركز الدائرة وبالتالي المشاركة في عملية صنع القرار، طالما توافرت فيه الإعتبارات السابق ذكرها، فالتنظيم داخل المجموعات هو شديد المرونة ولكنه في نفس الوقت شديد الانضباط، خاصة فيما يتعلق بأنشطة المجموعات داخل المدرج او بالتحضير لهذه الانشطة خارج المدرج، فحينما يتم تحديد المهام (كتابة الهتافات، الرسم، اعداد السنانير، توفير الاموال اللازمة للأنشطة، وغيرها من المهام المرتبطة بنشاط المجموعة داخل المدرج) والافراد الموكل لهم تنفيذها، ليس مسموحاً بأي هامش للفشل او عدم اداء المهمة على الوجه الاكمل، لان الفشل يعني هزيمة المجموعة امام المنافسين واظهار أنشطة المجموعة بشكل غير لائق، مما يجعلها عرضة للسخرية من جانب المنافسين، فتأخر عضو عن رفع صفحة الجلاد في أحد الدخلات داخل المدرج أمر غير وارد وغير مسموح بحدوثه تحت أي ظرف.
أما المرونة فتأتي من سهولة الانضمام للمجموعة، فليس هناك شروط معينة يجب على الفرد الذي يريد الانضمام للمجموعة الوفاء بها، فيكفي شرط حب النادي والرغبة في مساعدته لتكون عضواً، أيضا المرونة تأتي من قدرة أي عضوا على المساهمة في أنشطة المجموعة إذا كانت لديه القدرة والموهبة، فيكفي ان ترسل رسالة لبريد الكتروني معين بهتاف أو أغنية قمت بتأليفها أو فكرة دخلة، واذا كانت الفكرة ملائمة فليس هناك ما يمنع تنفيذها، أيضا تنبع المرونة من الانتشار الجغرافي للمجموعات في مناطق مختلفة في مصر بين الشمال والجنوب، الأمر الذي يصعب معه تركيز السلطة في مركز معين دون غيره، ففي كل مجموعة (أو سيكشن Section بلغة الألتراس) في منطقة جغرافية معينة هناك مسئولين عن إدارة شئون المجموعة في منطقتهم الجغرافية، تتولى مهمة التنسيق بين المجموعة والمجموعات في المناطق الجغرافية الأخرى، علاوة على التنسيق مع قادة المجموعة الأم.أحد الاستراتيجيات التي إتبعها الاعلام والنظام السياسي هي محاولة "شيطنة الألتراس" وذلك من خلال ربط افكارهم بالعنف وببعض روافد حركة الألتراس العالمية
أما فيما يتعلق بسلطة المسئولين عن المجموعة على بقية أفراد المجموعة وإقدام الأعضاء العاديين على طاعة التعليمات أو المهام الموكلة لهم، فهى ليست نابعة من سلطة يمتلكها هؤلاء المسئولين أكثر من كونها نابعة من مجموعة المبادئ العامة والقوانين التي تحكم عالم الألتراس، ليس فقط في مصر وانما حول العالم، بالإضافة الى الاحترام الذي يحظى به هؤلاء المسئولين لاعتبارات الفترات الطويلة التي قضوها في خدمة المجموعات ونشاطهم وجهدهم من أجل المجموعة، فالانضمام للمجموعة في النهاية هو انضمام اختياري ونابع من حب الكيان، وتنفيذ التعليمات ليس خوفا من العقاب بقدر ما هو رغبة في الظهور بالشكل الافضل وتحقيق نصر ساحق في مباراة التشجيع ضد المجموعة (المجموعات) المنافسة.
الألتراس مخترقون من الاخوان ومن حازمون
كانت المشادة التي حدثت بين اعضاء من مجموعة التراس أهلاوي وعدد من النشطاء السياسيين في المسيرة التي دعت إليها المجموعة امام وزارة الدفاع في الخامس عشر من شهر فبراير الماضي من أجل التذكير بأن المسئول عن التخطيط لمجزرة بورسعيد هو المجلس العسكري بقيادة المشير محمد طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان، بالإضافة إلى قيام مجموعة الوايتس نايتس بسب باسم يوسف في مباراة الزمالك مع فريق جازيللي في استاد برج العرب، فرصة للترويج لمقولة ان مجموعات الألتراس قد تم اختراقها من قبل التيارات السياسية خاصة المحسوبة على تيار الاسلام السياسي، فمجموعة التراس أهلاوي – طبقا لهذه الرؤية - قد تم اختراقها من جانب الاخوان المسلمين عن طريق خيرت الشاطر، ومجموعة الوايتس نايتس اخترقهم حازم صلاح ابو اسماعيل، إلا أن هذه المقولة وما تنطوي عليه من تعميم يجب أن توضع في سياق عوامل عدة حتى يمكن الحكم على مقولات الاختراق هذه فيما يتعلق بسلطة المسئولين عن المجموعة على بقية أفراد المجموعة وإقدام الأعضاء العاديين على طاعة التعليمات أو المهام الموكلة لهم، فهى ليست نابعة من سلطة يمتلكها هؤلاء المسئولين أكثر من كونها نابعة من مجموعة المبادئ العامة والقوانين التي تحكم عالم الألتراس، ليس فقط في مصر وانما حول العالمبموضوعية، اول هذه الاعتبارات مرتبط بعامل التنوع الذي يميز مجموعات الألتراس المصرية، وهو تنوع على عدة مستويات، تنوع على مستوى العمر، فالمجموعات تضم في عضويتها فئات عمرية مختلفة، فقد تجد اطفالا اعمارهم ما بين ١٢-١٥ سنة وقد تجد شباب اعمارهم تتعدي العشرين عاما، وهناك تنوع على المستوى الطبقي، فنظرة سريعة على المجموعات تجد ان من بينها من ينتمى للطبقات الدنيا في المجتمع، وهناك من ينتمون للطبقات الوسطى، ويمكن ان تجد ايضا افراد من الطبقات العليا، وهناك أخيراً تنوع في المستوى التعليمي بين افراد الألتراس، هذا التنوع الكبير يستتبعه تنوع في الافكار والرؤي والمعتقدات السياسية.
ثانيا ادراك أفراد المجموعات لدورهم في المجال العام، فالمجموعات باستمرار تؤكد أنها مجموعات رياضية، خلقت من اجل التشجيع والهتاف في المدرج فقط وأنه لا علاقة لهم بالسياسة، فالمجموعة كمجموعة ليس لها اي توجه سياسي اللهم الا العداء المستحكم للشرطة، الا ان هذا الادراك لا ينفي اعترف المجموعات بحرية افرادها في اعتناق ما يروه من افكار وعقائد سياسية كل حسب قناعاته الشخصية، بشرط ألا تكون هذه الافكار حاضرة في أنشطة المجموعة داخل المدرج أو التحضير لها خارج الاستاد.
وبوضع هذه الاعتبارين مع بعضهما البعض، نصل إلى نتيجة مفادها أن فرد الألتراس لديه هويتين تتنازعاه حينما يخرج الى المجال العام، هويته كفرد التراس منتمي لمجموعة تشجيع رياضية، وهويته كمواطن مصري يعيش هموم هذا المجتمع ومشاكله، ولديه رؤية معينة للتعامل معها، وبالتأكيد فإنه من الصعوبة بما كان الفصل الحدي بين هاتين الهويتين.
وثالث هذه الاعتبارات مرتبط بالفكرة التأسيسية لظاهرة الألتراس وهي الانتماء للكيان والدفاع عنه باي ثمن، وفي ظل هذه الفكرة يمكن تفسير سلوك التراس وايتس نايتس المتعلق بسب باسم يوسف، لان باسم يوسف – طبقا لما رواه لي عدد من افراد الوايتس نايتس - سخر من النادي في أحد حلقات برنامجه الساخر، ويرى اعضاء المجموعة الذين تقابلت معهم ان نادي الزمالك اصبح مستباحا من جانب وسائل الاعلام وانه أصبح مادة ثرية للسخرية من كل يريد ان يضيف صبغة كوميدية لبرنامجه أو لمسلسله، فكان لابد من وقفة أمام هذه الاهانات المتكررة للنادي/الوطن، فكان السباب لباسم يوسف اثناء مباراة الفريق الافريقية.
اما اخر هذه الاعتبارات فمرتبط برؤية مجموعة التراس أهلاوي لقضية بورسعيد ودورها فيها، فالمجموعة منذ اللحظة الأولى لوقوع المجزرة اعتبرتها قضية خاصة بالمجموعة، وأن تنفيذها جاء رغبة للانتقام من افراد المجموعة ومن دورهم في هزيمة الشرطة في الثامن والعشرين من يناير ٢٠١١، ثم دورهم في مختلف الاشتباكات التي تمت مع قوات الامن منذ تنحي مبارك في شارع محمد محمود وامام مجلس الوزراء، ولذلك كان رفضهم لإقحام القضية في الصراع السياسي الدائر في الشارع بين مختلف القوي السياسية والممسكين بالسلطة /الاخوان المسلمين في الوقت الحالي، وسواء اتفقنا او اختلفنا مع هذه الرؤية، فان القوى الثورية تتحمل جزء من المسئولية كما شرح لي الاستاذ وافي نصر - أحد الناشطين بين اوساط القوى السياسية في القاهرة والجنوب، فالقوى السياسية لم تقدم رؤية واضحة للحوار مع مجموعات الألتراس من اجل بلورة رؤية سياسية ناضجة متعلقة بصراعهم مع السلطة، ووضع هذا الصراع في سياقه الصحيح، في ظل عدم نضوج الرؤية السياسية لمجموعات الألتراس الغير مسيسة بالطبيعة، وقد تجلى هذا الامر في الرهان الساذج من جانب عدد من القوى الثورية على صدور الحكم الاول في القضية يوم ٢٦ يناير الماضي بما لا يلبي رؤية الألتراس لقصاص عادل من الجناة، فيقرر الألتراس الحشد والتعبئة في الشارع ضد السلطة، وتكون شرارة لموجة ثورية جديدة، يكون الألتراس في صفوفها الامامية بينما هم في الخلفية.
الخلاصة ان التعميم والاساطير التي نسجها الاعلام والسلطة ومن قبلهم القوى السياسية كانت سببا اساسيا في عدم وجود فهم صحيح لطبيعة مجموعات الألتراس المصرية وديناميات الحركة داخل المجموعات، وقد ساهم فشل المجموعات الثورية والقوى المعارضة في تكوين تنظيم قوي قادر على التعبئة والحشد وادارة الصراع مع السلطة في الشارع في بلورة سقف عالي من التوقعات بخصوص حركة الألتراس في الشارع وعلاقتهم بالصراع الدائر في مصر الآن بين الدولة/السلطة والثورة، وهي توقعات لم تتدعى مجموعات الألتراس في يوم من الايام انها تسعى لتلبية استحقاقاتها.
ظهرت نسخة من هذا المقال في موقع جدلية http://www.jadaliyya.com/
محمد الجوهري، باحث في العلوم السياسية وحاصل على ماجستير في السياسة المقارنة من جامعة نيويورك، اعد رسالة الماجستير عن الدور السياسي لمجموعات الألتراس وتأثيرها على علاقة الدولة بالمجتمع في مصر بعد ثورة 25 يناير، نشرت له العديد من المقالات والابحاث الاكاديمية في مجلة السياسية الدولة وحولية امتي في العالم وموقع جدلية وموقع worldpress وموقع Global Politics Magazine
اهتماماته البحثية تدور حول علاقة الدولة بالمجتمع ، ودور الحركات الاجتماعية والحركات القاعدية Grassroots Movements في التحول الديمقراطي وضبط علاقة الدولة بالمجتمع.
يمكن متابعته من خلال مدونته الشخصية https://mohamedalgohri.wordpress.com/