أن تكوني امرأة في بلد عربي... فهذه معركة، لكن الظروف الأليمة ربما تجعلنا محاربات. فمنذ الخامس والعشرين من يناير، كثر حديث المراسلين الأجانب عن يقظة المرأة العربية في الربيع العربي؛ وكيف أن الثورات حررتنا، أو أيقظتنا من غفلتنا، أو جعلتنا نخلع أغطية رؤوسنا ونركض بسعادة عبر المروج.
هذا، في رأيي، هراء. فعندما تشاهد مقاطع الفيديو والصور الخاصة بالثمانية عشر يوماً من أيام الثورة بالتحرير، سترى النساء المصريات جنباً إلى جنب مع الرجال في غمار المعارك، بل إن بعضهن تقدمن الصفوف، متحديات الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي. لقد شاركنا في ثورة ٢٥ يناير بوصفنا مصريات أولاً، وليس بوصفنا نساء. ومن قمة الغطرسة الافتراض بأننا "أصبحنا" حرائر: ١) وكأن الثورة التي قادها الرجال هي التي أيقظتنا وألهمتنا نحن النساء؛ و٢) وكأن النساء كن يعشن في كهوف ويرسمن رسوما طينية قبل الثورة.
إن النساء العربيات اللاتي قابلتهن هن من أقوى نساء العالم ولديهن تفانٍ حقيقي في عملهن، وقضيتهن، وإحساسهن بالهوية. ونحن لم نشهد "يقظة" منذ الثورة؛ لكن كان علينا بالتأكيد أن نحارب أكثر.
إن القصص التي رويت خلال العامين الماضيين حول العنف الجنسي والجسدي المروع الذي مورس ضد المرأة في التحرير إلى جانب العديد من الأخبار الأخرى المحبطة من الممكن جداً أن يكسر إرادتك ويغير رأيك حول مكانة المرأة في المظاهرات وفي مصر بوصفها مواطنة لها حقوق متساوية مع الرجل. ولكني أفكر حينئذ في أولئك السيدات الرائعات وأتذكر قوتهن، وإبداعهن، ومثابرتهن.
وهناك نساء عربيات كثيرات قويات ورائعات، ويشمل مشهد الجرافيتي العديد منهن. والجرافيتي قضية خطيرة في حد ذاتها، ومع العنف المستمر ﺍﻟﺫي يُمارس ضد المرأة في مصر، قد تظن أن ذلك سيخيف فنانات الجرافيتي إلى حد يمنعهن من العمل في شوارع المدينة. ولكنهن لسن خائفات؛ بل هن يافعات، وقويات، وموهوبات، وجديرات بالتقدير شأنهن شأن أقرانهن من الفنانين الرجال.
ويعتبر كثيرون من أقران الرسامة وفنانة الشارع السكندرية، آية طارق، أنها من رائدات فن الجرافيتي في مصر. وهي ثابتة على مواقفها في مواجهة معاصريها من ﺍﻟﺫكور، وقد عرضت أعمالها مؤخراً في ألمانيا وبيروت. وظهرت آية في "مايكروفون"، الفيلم الرائع للمخرج أحمد عبد الله من إنتاج عام ٢٠١٠ وهو يدور حول مشهد الفنون السرية underground art بالإسكندرية. وهي أول فنانة جرافيتي في مصر تظهر في فيلم روائي ليس فقط بشخصيتها الحقيقية، وإنما على نحو يعبر أيضاً عن مشهد الجرافيتي في مصر بشكل صحيح.
هند خيرة هي أول فنانة جرافيتي مصرية تنشر مجلة رولنج ستون نبذة عنها. ويتميز عملها بالقوة، والحدة، والصدق، ولا توجد أي لمسة أنثوية نمطية في جماليات عملها. وقد استخدمت هند الاستنسل في مجمع التحرير ومحيطه خلال اعتصامات عام ٢٠١١. وشاركت في حملة ضد التحرش الجنسي من خلال رش الاستنسل التالي: "احذر! ممنوع اللمس... الخصي في انتظارك!". كان رسم الاستنسل صادماً واستفزازياً، مما دفع بعض المارة إلى توبيخ هند عليه، ويعتبر هذا التوبيخ إشارة موثوقة على أن رسالتها كانت قوية وفعالة.
تعتبر جدارية الفنون المختلطة التي رسمتها هناء الضغام على جدار مدرسة الليسيه حتى هذه اللحظة أحد أكثر أعمال فن الشارع التي أدهشتني في مصر. فقد رسمت طبقات متعددة على مدى عدة أيام، وجمعت بين رسوم شبه منتهية ورسوم استنسل وكولاج بورق الجرائد. وإذا أمعنت النظر في قصاصات الجرائد، ستجدها ملائمة تماماً للتعليق الاجتماعي الجميل الذي قصدته من خلال تصوير أفقر المصريات وهن يحملن أسطوانات الغاز على رؤوسهن. وظهرت في الجدارية امرأة يكسو جسدها نقاب أسود تحمل أسطوانة غاز مرشوشاً عليها كلمة "تغيير". وهذه الصورة في حد ذاتها تقول الكثير جداً.
كما عملت هناء أيضاً لأيام مع عمار أبو بكر وغيره من الرسامين في رسم جدارية شهداء محمد محمود، وأضافت البراويز وزهور اللوتس إلى العديد من صور الشهداء.
لقد شاهدت رسوم الاستنسل الخاصة ببهية شهاب في محيط الزمالك والتحرير منذ شهور، ولكنني لم أربط بين هذه الرسوم وبهية سوى عندما شاهدت حديثها الملهم في ملتقى تيد إكس Tedx على موقع اليوتيوب. لقد تحدثت بهية بطريقة جميلة وقوية عن الكفاح في سبيل العدالة الاجتماعية والسياسية من خلال الفن. ويعد الاستنسل أدناه الذي رسمته بهية أحد أكثر الأعمال الفنية المفضلة بالنسبة إليّ، إنه استنسل لمحته على الجدار الخرساني الكئيب في شارع منصور. فعندما تشاهد مثل هذه المقولة الملهمة والجميلة على بناء عسكري خرساني متنافر الأجزاء، تستعيد الأمل... على الأقل في قوة الفن وإمكانياته.
هناك أيضاً ليلى ماجد، التي تعمل ليل نهار دون كلل إلى جانب محمد المشير وعمار أبو بكر لاستكمال أعمال مثل هذه الجدارية المدهشة الموجودة في شارع الشيخ ريحان، وهناك ميرا شحادة التي ترسم رسائل ضد التحرش الجنسي، ووجوهاًّ باكية في شوارع القاهرة، مع رسالة بسيطة "لماذا؟". أنا متأكدة أن نساء أخريات كثيرات سيحذين حذوهن قريباً.
لقد حظيت بشرف مقابلة معظم هؤلاء النساء ومشاهدتهن وهن يعملن. لقد أدركت أن المثابرة على ابتكار فن شارع فريد وملهم في ظل الظروف المتقلبة وغير المتوقعة السائدة في الشوارع المصرية يتطلب درجة معينة من القوة.
وقد أشاد الجرافيتي أيضاً بنساء مصر، سواء بتكريمهن مثلما فعل علاء عوض في جداريته الفرعونية؛ أو بالإشادة بشجاعتهن في المعارك مثل بوستر الفنان زفت؛ أو بالدفاع عن حقهن في المساواة.
"نون النسوة" هي مجموعة من الناشطين والناشطات تستخدم الجرافيتي لرفع الوعي بحقوق المرأة والضغط من أجل المساواة بين الجنسين. وقد نظمت نون النسوة حملات في الشوارع استخدمت فيه رسوماً بالاستنسل تصور ليلى مراد، وسعاد حسني، وغيرهن من أيقونات السينما المصرية فضلاً عن شعارات تتضمن مقولات مأخوذة من الأفلام أو طلبات بسيطة بالمساواة. ونون النسوة هي أول مجموعة من نوعها تركز على الموضوعات الخاصة بالمرأة فقط وتستخدم الجرافيتي لترفع الوعي بهذه الموضوعات في شوارع القاهرة. ومنذ ذلك الوقت ظهر تصميمها المعروف باسم "متصنفنيش" في تونس، بعد أن نسخته الناشطات النسويات هناك.
ويشيد هذا الجرافيتي الموجود في شارع محمد محمود "بانتفاضة المرأة في العالم العربي"، وهو منبر على الإنترنت يتابعه أكثر من ٨٠,٠٠٠ شخص ويدعم حقوق المرأة العربية باستخدام رسائل استفزازية وشخصية أو صور للنساء.
وهذا الاستنسل المرسوم على جدار الحرم اليوناني للجامعة الأمريكية بالقاهرة هو المفضل لدي، لأنه بدلاً من أن يظهر الرجل وهو يحمي المرأة، يصور المرأة وهي تنقذ الرجل وتحميه في المعركة. وهذه شهادة رائعة على قوة النساء وإخلاصهن في المظاهرات.
ورسوم الاستنسل الموضحة أدناه كلها تشيد بروح الكفاح لدى نساء مصر وهي من أعمال: كايزر، وزفت، وعمرو نظير، وإكس فور سبراي كانز، وعمار أبو بكر الذي أشاد بسميرة إبراهيم من خلال كتابة نص قارن فيه بينها وبين علياء المهدي. وقد وصف أبو بكر سميرة إبراهيم بأنها البطلة الحقيقية: "تحية إعزاز وإجلال ومؤازرة لسميرة إبراهيم بنت الصعيد".
ثرية مرايف كاتبة وصحفية مستقلة تقيم في القاهرة. تقدم مدونتها http://suzeeinthecity.wordpress.com/ أفكاراً جديدة حول مشهد الجرافيتي المزدهر في القاهرة.